فصل: شهر ذي القعدة سنة 1231:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر ذي القعدة سنة 1231:

فيه انهدم جانب من السواقي التي أنشأها الباشا بشبرا على حين غفلة وقد قوي عليها النيل فتهدمت وتكسرت أخشابها وسقط معها أشخاص كانوا حولها فنجا منهم من نجا وغرق منهم من غرق وكان الباشا بقصر شبرا مقيماً به وهو يرى ذلك وانقضت السنة وأخبار بعض حوادثها واستمرار ما تجدد فيها من المبتدعات التي لا حصر لها.
ومنها الحجر على االمزارع التي يزرعها الفلاحون في الأراضي التي يدفعون خراجها من الكتاب والسمسم والعصفر والنيلة والقطن والقرطم وإذا بدا صلاحه لا يبيعون منه شيئاً كعادتهم وإنما يشتريه الباشا بالثمن الذي يفرضه ويقدره على يد أمناء النواحي والكشاف ويحملونه إلى المحل الذي يؤمرون بحمله إليه ويعطى لهم الثمن أو يحسب لهم من أصل المال فإن احتاجوا الشيء من ذلك اشتروه بالثمن الزائد المفروض وكذلك القمح والفول والشعير لا يبيعون منه شيئاً لغير طرف الباشا بالثمن المفروض والكيل الوافي.
ومنها الأمر لكشاف الأقاليم بالمناداة العامة بالمنع لمن يأخذ أو يأكل من الفول الأخضر والحمص والحلبة وأن المعينين في الخدم والمباشرين وكشاف النواحي لا يأخذون شيئاً من الفلاحين كعادتهم من غير ثمن فمن عثر عليه يأخذ شيء واو رغيفاً أو تبناً أو من جميع البهائم حصل له مزيد الضرر ولو كان من الأعاظم وكذلك الأمر بتكميم أفواه المواشي التي تسرح للمرعي حوالي الجسور والغيطان.
ومنها أن نصرانياً من الأرمن التزم بقلم الأبزار التي تأتي من بلاد الصعيد مثل الحبة السوداء والشمر والأنيسون والكمون والكراويا، ونحو ذلك بقدر كبير من الأكياس ويتولى هو شراءها دون غيره ويبيعها بالثمن الذي يفرضه ومقدار ما التزم بدفعه من الأكياس للخزينة على ما بلغنا خمسمائة كيس وكانت في أيام الأمراء المصريين عشرة أكياس لا غير، فلما تولى على وكالة دار السعادة صالح بك المحمدي زادها عشرة أكياس وكانت وكالة الأبزار والقطن وقفاً لمصطفى آغا السعادة سابقاً على خيرات الحرمين وخلافهما، فلما كانت هذه الدولة تولاها شخص على مائتي كيس وعند ذلك سعر الأبزار أضعاف الثمن الأصلي ومن داخل الأبزار الثمر الإبريمي والسلطاني والخوص والمقاطف والسلب والليف وبلغ سعر المقطف الذي يسع الكيلة من البر خمسة وعشرين نصفاً، وكان يباع بنصف أو نصفين إن كان جيداً وفي الجملة أقل من ذلك.
ومنها أن كرابيت معلم ديوان الكمرك ببولا فالتزم بمشيخة الحمامية وأحدث عليها وعلى توابعها حوادث وعلى النساء البلانات في كل جمعة قدراً من الدراهم وجعل لنفسه يوماً في كل جمعة يأخذ إيراده من كل حمام.
ومنها ما حصل في هذه السنة من شحة السابون وعدم وجوده بالأسواق ومع السراحين وهو شيء لا يستغني عنه الغني ولا الفقير وذلك أن تجارة بوكالة الصابون زادوا في ثمنه محتجين بما عليهم من المغارم والرواتب لأهل الدولة فأمر الكتخدا فيه بأمر ويسعر بثمن فيدعون الخسران وعدم الربح وتكرر الحال فيه المرة بعد المرة ويتشكون من قلة المجلوب إلى أن سعر رطله بستة وثلاثين نصفاً، فلم يرتضوا ذلك وبالغوا في التشكي فطلب قوائمهم وعمل حسابهم وزادهم خمسة أنصاف في كل رطل وحلف أن لا يزيد على ذلك وهم مصممون على دعوى الخسران فأرسل من أتباعه شخصاً تركياً لمباشرة البيع وعدم الزيادة فيأتي إلى الخان في كل يوم يباشر البيع على من يشتري بذلك الثمن لأربابه ويمكث مقدار ساعتين من النهار ويغلق الحواصل ويرفع البيع لثاني يوم وفي ظرف هاتين الساعتين تزدحم العسكر على الشراء ولا يتمكن خلافهم من أهل البلد من أخذ شيء وتخرج العسكر فيبيعون من الذي اشتروه على الناس بزيادة فاحشة فيأخذ الرطل بقرش ويبيعه على غيره بقرشين ورفع التشكي إلى كتخدا فأمر ببيعه عند باب زويلة في السبلين المواجه أحدهما للباب والبيل الذي أنشأته الست نفيسة المرادية عند الخان تجاه الجامع المؤيدي ليسهل على العامة تحصيله وشراؤه، فلم يزداد الحال إلا عسراً وذلك أن البائع يجلس داخل السبيل ويغلق عليه بابه ويتناول من خروق الشبابيك من المشتري الثمن ويناوله الصابون فازدحمت طوائف العسكر على الشراء ويتعلقون بأيديهم وأرجلهم على شبابيك السبيلين والعامة أسفلهم لا يتمكنون من أخذ شيء ويمنعون من يزاحمهم فيكون على السبيلين ضجة وصياح من الفريقين فلا يسع ابن البلد الفقير المضطر إلا أن يشتري من العسكري بما أحب وإلا رجع إلى منزله من غير شيء واستمر الحال على هذا المنوال أياماً وفي بعض الأحايين يكثر وجود الصابون بين أيدي الباعة بوسط السوق ولا تجد عليه مزاحمة وأمام البائع كوم عظيم وهو ينتظر من يشتري وذلك في غالب الأسواق مثل الغورية والأشرفية وباب زويلة والبندقانيين والجهات الخارجة، ثم يصبحون فلا يوجد منه شيء ويرجع الازدحام على السبيلين كالأول.
ومنها أن الباشا أطلق المناداة في البلدة وندب جماعة من المهندسين والمباشرين للكشف على الدور والمساكن فإن وجدوا به أو ببعضه خللاً أمروا صاحبه بهدمه وتعميره فإن كان يعجز عن ذلك فيؤمر بالخروج منها وإخلائها ويعاد بناؤها على طرف الميري وتصير من حقوق الدولة وسبب هذه النكتة أنه بلغ الباشا سقوط دار ببعض الجهات ومات تحت ردمها ثلاثة أشخاص من سكانها فأمر بالمناداة وأرسل المهندسين والأمر بما ذكر فنزل بأهالي البلد من الكرب أمر عزيم مع ما هم فيه من الإفلاس وقطع الإيراد وغلو الأسعار على أن من كان له نوع مقدرة على الهدم والبناء لا يجد من أدواته شيئاً بحسب التحجير الواقع على أرباب الأشغال واستعمال الجميع في عمائر الباشا وأكابر الدولة حتى أن الإنسان إذا احتاج لبناء كانون لا يجد من يبنيه ولا يقدر على تحصيل صانع أو فاعل أو أخذ شيء من رماد الحمام إلا بفرمان ومن حصل شيئاً من ذلك على طريق السرقة في غفلة وعثر عليه نكلوا به وبرئيس الحمام وحمير الباشا وهي أزيد من ألفي حمار تنقل بالمزابل والسرقانيات طول النهار ما يوجد بالحمامات من الرماد وتنقل أيضاً الطوب والدبش والأتربة وأنقاض البيوت المنهدمة لمحل العمائر بالقلعة وغيرها فترى الأسواق والعطف مزدحمة بقطارات الحمير الذاهبة والراجعة وإذا هدم إنسان داره التي أمروه بهدمها وصل إليه في الحال قطار من الحمير لأخذ الطوب الذي يتساقط إلا أن يكون من أهل القدرة على منعهم وربما كانت هذه الأوامر حيلة على أخذ الأنقاض وأما الأتربة فتبقى بحالها حتى في طرق المارة للعجز عن نقلها فترى غالب الطرق والنواحي مردومة بالأتربة وأما الهدم ونقل الأنقاض من البيوت الكبار والدور الواسعة التي كانت مساكن الأمراء المصريين بكل ناحية وخصوصاً بركة الفيل وجهة الحبانية فهو مستمر حتى بقيت خراباً ودعائم قائمة وكيمان هائلة واختلطت بها الطرق وأصبحت موحشة ولا ماري بها حتى لليوم بعد أن كانت مراتع غزلان فكنت كلما رأيتها أتذكر قول القائل:
هذي منازل أقوام عهدتهم ** في خفض عيش نعيم ما له خطر

صاحت بهم نوب الأيام فارتحلوا ** إلى القبور فلا عين ولا أثر

وكذلك بولاق كانت نتزه الرفاق فإنه تسلط عليها سليمان آغا السلحدار وإسماعيل باشا في الهدم وأخذ أنقاض الأبنية ببر أنبابة والجزيرة الوسطى بين أنبابة وبولاق فإن سليمان آغا أنشأ بستاناً كبيراً بين أنبابة وسوره وبنى به قصراً وسواقي وأخذ يهدم أبنية بولاق من الوكائل والدور وينقل أحجارها وأنقاضها في المراكب ليلاً ونهاراً إلى البر الآخر وإسماعيل باشا كذلك أنشأ بستاناً وقصراً بالجزيرة وشرع أيضاً في اتساع سرايته ومحل سكنه ببولاق وأخذ الدور والمساكن والوكائل من حد الشؤن القديم إلى آخر وكالة الأبزار العظيمة طولاً فيهدمون الدور وغيرها من غير مانع ولا شافع وينقلون الأنقاض إلى محل البناء، وكذلك ولي خوجه شرع في بناء قصر بالروضة ببستان فهو الآخر يهدم ما يهدمه من مصر القديمة وينقل أنقاضه لبنائه وهلك قبل إتمامه وأما نصارى الأرمن وما أدراك ما الأرمن الذين هم أخصاء الدولة الآن فإنهم أنشؤا دوراً وقصوراً وبساتين بمصر القديمة لكنهم فهم يهدمون أيضاً وينقلون لأبنيتهم ما شاؤا ولا حرج عليهم وإنما الحرج والمنع والحجر والهدم على المسلمين من أهل البلدة فقط.
ومنها أن الباشا أمر ببناء مساكن للعسكر الذين أخرجهم من مصر بالأقاليم يسمونها القشلات بكل جهة من أقاليم الأرياف لسكن العساكر المقيمين بالنواحي لتضررهم من الإقامة الطويلة بالخيام في الحر والبرد واحتياج الخيام في ما حين إلى تجديد وترقيع وكثير خدمة وهي جمع قشلة بكسر القاف وسكون الشين وهي في اللغة التركية المكان الشتوي لأن الشتاء في لغتهم يسمى قش بكسر القاف وسكون الشين فكتب مراسيم إلى النواحي بسائر القرى بالأمر لهم بعمل الطوب اللبن، ثم حرقه وحمله إلى محل البناء وفرضوا على كل بلد وقرية فرضاً وعدداً معيناً فيفرض على القرية مثلاً خمسمائة ألف لبنة وأكثر بحسب كبر القرية وصغرها فيجمع كاشف الناحية مشايخ القرى، ثم يفرض على كل شيخ قدراً وعدداً من اللبن عشرين ألفاً أو ثلاثين ألفاً أو أكثر أو أقل ويلزم بضربها وحرقها ورفعها وأجلهم مدة ثلاثين يوماً وفرضوا على كل قرية أيضاً مقادير من أفلاق النخل ومقادير من الجريد، ثم فرضوا عليهم أيضاً أشخاصاً من الرجال لمحل الأشغال والعمائر يستعملونهم في فعالة نقل أدوات لعمارة في النواحي حتى الإسكندرية وخلافها ولهم أجرة أعمالهم في كل يوم لكل شخص سبعة أنصاف فضة لا غير ولمن يعمل اللبن أجرة أيضاً ولثمن الأفلاق والجريد قدر معلوم لكنه قليل.
ومنها أنه توجه الأمر لكشاف النواحي عند انكشاف الماء عن الأراضي بأن يتقدموا إلى الفلاحين بأن من كان زراعاً في العام الماضي فداني كنان أو حمص أو سمسم أو قطن فليزرع في هذه السنة أربعة أفدنة ضعف ما تقدم لأن المزارعين عزموا على عدم زراعة هذه الأشياء لما حصل لهم من أخذ ثمرات متاعهم وزراعاتهم التي دفعوا خراجها الزائد بدون القيمة التي كانوا يبيعون بها مع قلة الخراج الذي كانوا يماطلون فيه الملتزمين السابقين مع التظلم والتشكي فيزرع الزارع ما يزرعه من هذه الأشياء من التقاوى المتروكة في مخزنه، ثم يبيع الفدان من الكتان الأخضر في غيطه إن كان مستعجلاً بالثمن الكثير وإلا أبقاه إلى تمام صلاحه فيجمعه ويدقه ويبيع ما يبيعه من البزر خاصة بأغلى ثمن، ثم يتمم خدمته من التعطين والنشر والتمحير إلى أن يصفى وينظف من أدرانه وخشوناته وينصلح للغزل والنسج فيباع حينئذ بالأوقية والرطل وكذا القطن والنيلة والعصفر، فلما وقع عليهم التحجير وحرموا من المكاسب التي كانوا يتوسعون بها في معايشهم باقتناء المواشي والحلي للنساء قالوا ما عدنا نزرع هذه الأشياء وظنوا أن يتركوا على هواهم ونسوا مكر أوليائهم فنزل عليهم الأمر والإلزام بزرع الضعف فضجوا وترجوا واستشفعوا ورضوا بمقدار العام الماضي فمنهم من سومح ومنهم من لم يسامح وهو ذو المقدرة وبعد إتمامه وكمال صلحه يؤخذ بالثمن المفروض على طرف الميري ويباع لمن يشتري من أربابه أو خلافهم بالثمن المقدر وربح زيادته لطرف حضرة الباشا مع التضييق والحجر البليغ والفحص عن الاختلاس فمن عثروا عليه باختلاس شيء ولو قليلاً عوقب عقاباً شديداً ليرتدع خلافه والكتبة والموظفون لتحرير كل صنف ووزنه وضبطه في تنقلات أطواره وعند تسليم الصناع ونتج من ذلك وأثمر عزة الأشياء وغلو الأسعار على الناس منها أن المقطع القماش الذي كان ثمنه ثلاثين نصفاً بلغ سعره عشرة قروش مع عزة وجدانه بالأسواق المعدة لبيعه مثل سوق مجوش وخلافه خلا الطوافين به والثوب البطانة الذي كان ثمنه قرشين بلغ ثمنه شبعة قروش وأدركناه في الأزمان السابقة يباع بعشرين نصفاً وبلغ ثمن الثوب من البفتة المحلاوي أربعة عشر قرشاً وكان يباع فيما أدركنا بدكان التاجر بستين نصفاً وقس على ذلك وبسبب التحجير على النيلة غلا صبغ ثياب الفقراء حتى بلغ صبغ الذراع الواحد نصف قرش والله يلطف بحال خلقه وما دام توزون له امرأة مطاعة فالميل في الجمر.
ومنها استمر التحجير على الأرز ومزارعه على مثل هذا النسق حيث أن الزراعين له التعبانين فيه لا يمكنون من أخذ حبة منه فيؤخذ بأجمعه لطرف الباشا بما قدره من الثمن، ثم يخدم ويبيض في المداوير والمدقات والمناشر بأجرة العمال على طرفه، ثم يباع بالثمن المفروض واتفق أن شخصاً من أبناء البلد يسمى حسين جلبي عجوة ابتكر بفكره صورة دائرة وهي التي يدقون بها الأرز وعمل لها مثالاً من الصفيح تدور بأسهل طريقة وقدم ذلك المثال إلى الباشا فأعجبه وأنعم عليه بدراهم وأمره بالمسير إلى دمياط ويبني بها دائرة ويهندسها برأيه ومعرفته وأعطاه مرسوماً بما يحتاجه من الأخشاب والحديد والمصرف ففعل وصح قوله، ثم فعل أخرى برشيد وراج أمره بسبب ذلك.
ومنها أن الباشا لما رأى هذه النكتة من حسين شلبي هذا قال أن في أولاد مصر نجابة وقابلية للمعارف فأمر ببناء مكتب بحوش السراية ويرتب فيه جملة من أولاد البلد ومماليك الباشا وجعل معلمهم حسن أفندي المعروف بالدرويش الموصلي يقرر لهم قواعد الحساب والهندسة وعلم المقادير والقياسات والارتفاعات واستخراج المجهولات مع مشاركة شخص رومي يقال له روح الدين أفندي بل وأشخاص من الإفرنج وأحضر لهم آلات هندسية متنوعة من أشغال الإنكليز يأخذون بها الأبعاد والإرتفاعات والمساحة ورتب لهم شهريات وكساوي في السنة واستمروا على الاجتماع بهذا المكتب وسموه مهندس خانه في كل يوم من الصباح إلى بعد الظهيرة يم ينزلون إلى بيوتهم ويخرجون في بعض الأيام إلى الخلاء لتعليم مساحات الأراضي وقياساتها وهو الغرض المقصود للباشا.
ومنها استمرارا الإنشاء في السفن الكبار والصغار لنقل الغلال من قبلي وبحري لناحية الإسكندرية لتباع على الإفرنج من سائر أصناف الحبوب فيشحنون السفن من سواحل البلاد القبلية وتأتي إلى ساحل بولاق ومصر القديمة فيصبونها كيماناً هائلة عظيمة صاعدة في الهواء فتصل المراكب البحرية لنقلها فتصبح ولا يبقى شيء منها ويأتي غيرها وتعود كما كانت بالأمس، ومثل ذلك بساحل رشيد وأما الحبوب البحرية فإنها لا تأتي إلى هذه السواحل بل تذهب من سواحلها إلى حيث هي برشيد ثم إلى الإسكندرية، ولما بطل البغاز جمعوا الحمير الكثيرة والجمال ينقلون عليها على طريق البر بالأجرة القليلة فكانت تموت من قلة العلف ومشقة الطريق وتوثق بها السفن الواصلة بالطلب إلى بلاد الإفرنج بالثمن عن كل أردب من البر ستة آلاف فضة، وأما الفول والشعير والحلبة والذرة وغيرها من الحبوب والأدهان فأسعارها مختلفة ويعوض بالبضائع والنقود من الفرانسة معبأة في صناديق صغيرة تحمل الثلاثة منها على بعير إلى الخزينة وهي مصفحة بالحديد يمرون بها قطارات إلى القلعة وعند قلة الغلال ومضي وقت الحصاد يتقدم إلى كشاف النواحي القبلية والبحرية بفرض مقادير من الغلال على البلدان والقرى فيلزمون مشايخ البلدان بما تقرر على كل بلد م القمح والفول والذرة ليجمعوه ويحصلوه من الفلاحين وهم أيضاً يعملون بفلاحي بلادهم ما يعملون بجورهم وأغراضهم ويأخذون الأقوات المدخرة للعيال وذلك بالثمن عن كل أردب من البر ثمانية ريالات يعطى له نصفها ويبقى له النصف الثاني ليحسب له من أصل المال الذي سيطالب به في العام القابل.
ومنها أن الباشا سنح له أن ينشئ بالمحل المعروف برأس الوادي بشرقية بلبيس سواقي وعمارات ومزارع وأشجار توت وزيتون فذهب هناك وكشف عن أراضيه فوجدها متسعة وخالية من المزارع وهي أراضي رمال وأودية فوكل أناساً لإصلاحها وتمهيدها وأن يحفروا بها جملة من السواقي تزيد عن الألف ساقية ويبنوا أبنية ومساكن ويزرعوا أشجار التوت لتربية دود القز وأشجاراً كثيرة من الزيتون لعمل الصابون وشرعوا في العمل والحفر والبناء وفي إنشاء توابيت خشب للسواقي تصنع ببيت الجبجي بالتبانة وتحمل على الجمال إلى رأس الوادي شيئاً بعد شيء وأمر أيضاً ببناء جامع الظاهر بيبرس خارج الحسينية وأن يعمل مصبنة لصناعة الصابون وطبخه مثل الذي يصنع ببلاد الشام وتوكل بذلك السيد أحمد بن يوسف فخر الدين وعمل به أحواضاً كبيرة للزيت والقلي.
ومن المتجددات أيضاً محل بخطة تحت الربع يعمل به وتسبك أوان ودسوت من النحاس في غاية الكبر والعظم.
ومنها شغل البارود وصناعته بالمكان والصناع المعدة لذلك بجزيرة الروضة بالقرب من المقياس بعد أن يستخرجوه من كيمان السباخ في أحواض مبنية ومخففة، ثم يكررونه بالطبخ حتى يكون ملحه غاية في البياض والحدة كالذي يجلب من بلاد الإنكليز والمتقيد كبيراً على صناعة شخص أفرنكي ولهم معاليم تصرف في كل شهر ومكان أيضاً بالقلعة عند باب الينكجرية لسبك المدافع وعملها وقياساتها وهندستها والبنبات وارتفاعها ومقاديرها وسمى ذلك المكان بالطبخانة وعليه رئيس وكتبة وصناع ولهم شهريات.
ومنها شدة رغبة الباشا في تحصيل الأموال والزيادة من ذلك من أي طريق بعد استيلائه على البلاد والإقطاعات والرزق الأحباسية وإبطال الفراغ والبيع والشراء والمحلول عن الموتى من ذلك والعلوفات وغلال الأنبار ونحو ذلك فكل من مات عن حصته أو رزقته أو مرتب انحل بموته ما كان على اسمه وضبطه وأضيف إلى ديوانه ولو له أولاداً وكان هو كتبه باسم أولاده وماتت أولاده قبله انحل عنه وأصبح هو وأولاده من غير شيء فإن عرض حاله على الباشا أمر بالكشف عن إيراده فإن وجدوا بالدفاتر جهة أو وظيفة أخرى قيل له هذه تكفيك وإن لم يوجد في حوزه خلافها أمر له بشيء يستغله من أقلام المكوس إما قرش أو نصف قرش في كل يوم أو نحو هذا مع التفاته ورغبته في أنواع النجارات والشركات وإنشاء السفن ببحر الروم والقلزم وأقام له وكلاء بسائر الأساكل حتى ببلاد فرانسة والإنكليز ومالطة وإزمير وتونس والنابلطان والونديك والبنادقة واليمن والهند وأعطى أناساً جملاً عظيمة من أموال يسافرون بها ويجلبون البضائع وجعل لهم الثلث في الربح في نظير شفرهم وخدمتهم، فمن ذلك أنه أعطى للرئيس حسن المحروقي خمسمائة ألف فرانسة يسافر بها إلى الهند ويشتري البضائع الهندية ويأتي بها إلى مصر ولشخص نصراني أيضاً ستمائة ألف فرانسة وكذلك لمن يذهب إلى بيروت وبلاد الشام لمشترى القز والحرير وغير ذلك وعمل بمصر أماكن ومصانع لنسج القطاني التي يتخذها الناس في ملابسهم من القطن والحرير، وكذلك الجنفس والصندل واحتكر ذلك بأجمعه وأبطل دواليب الصناع لذلك ومعلميهم وأقامهم يشتغلون وينسجون في المناسج التي أحدثها بالأجرة وأبطل مكاسبهم أيضاً وطرائقهم التي كانوا عليها فيأخذ من ذلك ما يحتاجه في اليلكات والكساوى وما زاد يرميه على التجار وهم يبيعونه على الناس بأغلى ثمن وبلغ ثمن الدرهم من الحرير خمسة وعشرين نصفاً بعد أن كان يباع بنصفين.
ومنها أنه أبطل ديوان المنجرة وهي عبارة عما يؤخذ من المعاشات وهي المراكب التي تغدو وتروح لموارد الأرياف مثل شيبين الكوم وسمنود والبلاد البحرية وعليها ضرائب وفرائض للملتزم بذلك وهو شخص يسمى عليا الجزار وسبب ذلك أن معظم المراكب التي تصعد ببحر النيل وتنحدر من إنشاء الباشا ولم يبق لغيره إلا القليل جداً والعمل والإنشاء بالترسخانة مستمر على الداوم والرؤساء والملاحون يخدمون فيها بالأجرة وعمارة خللها وأحبالها وجميع احتياجاتها على طرف الترسخانة ولذلك مباشرون وكتاب وأمناء يكتبون ويقيدون الصادر والوارد وهذه الترسخانة بساحل بولاق بها الأخشاب الكثيرة والمتنوعة وما يصلح للعمائر والمراكب ويأتي إليها المجلوب من البلاد الرومية والشامية فإذا ورد شيء من أنواع الأخشاب سمحوا للخشابة بشيء يسير منها بالثمن الزائد ورفع الباقي إلى الترسخانة وجميع الأخشاب الواردة والأحطاب جميعها في متاجر الباشا وليس لتجارها إلا ما كان من داخل متاجره وهو القليل.
ومن النوادر أنه وصل إلى بلاد الإنكليز سواقي بآلات الحديد تدور بالماء، فلم يستقم لها دوران على بحر النيل.
ومنها أنه أنشأ جسراً ممتداً من ناحية قنطرة الليمون على يمنة السالك إلى طريق بولاق متصلاً إلى شبرا على خط مستقيم وزرعوا بحافتية أشجار التوت وعلى هذا النسق جسور بطرق الأرياف والأقاليم.
ومنها أن اللحم قل وجوده من أول شهر رجب إلى غاية السنة وغلا سعره مع رداءته وهزاله حتى بيع الرطل بعشرين نصفاً وأزيد وأقل مع ما فيه من العظام وأجزاء السقط والشغت وسبب ذلك رواتب الدولة وأخذها بالثمن القليل فيستعوض الجزارون خسارتهم من الناس، وكان البعض من العسكر يشتري الأغنام ويذبحها ويبيعها بالثمن الغالي وينقص الوزن ولا يقدر ابن البلد على مراجعته.
ومنها أن إبراهيم آغا الذي كان كتخدا إبراهيم باشا قلده الباشا كشوفية المنوفية فمن أفاعيله أنه يطلب مشايخ البلدة أو القرية فيسأل الشخص منهم على من شيخه فيقول أستاذ البلدة فيقول له في أي وقت فيقول سنة كذا فيقول وما الذي قدمته له في سياختك ويهدده أو يحبسه على الإنكار أو يخبر من بادئ الأمر ويقول أعطيته كذا وكذا إما دراهم أو أغناماً فيأمر الكاتب بتقييده وتحريره وضبطه على الملتزم وسطر بذلك دفتراً وأرسله إلى الديوان ليخصم على الملتزمين من فائظهم المحرر لهم بالديوان فيتفق أن المحرر عليه يزيد على القدر المطلوب له فيطالب الباقي أو يخصم عليه من السنة القابلة.
ومنها التحجير على القصب الفارسي فلا يتمكن أحد من شراء شيء منه ولو قصبة واحدة إلا بمرسوم من كتخدا بك فمن احتاج منه في عمارة أو شباك أو لدوارات الحرير أو أقصاب الدخان أخذ فرماناً بقدر احتياجه واحتاج إلى وسائط ومعالجات واحتجاجات حتى يظفر بمطلوبه.
ومنها وهي من محاسن الأفعال أن الباشا أعمل همته في إعادة السد الأعظم الممتد الموصل إلى الإسكندرية، وقد كان اتسع أمره وتخرب من مدة سنين وزحف منه ماء البحر المالح وأتلف أراضي كثيرة وخربت منه قرى ومزارع وتكلت بسببه الطرق والمسالك وعجزت الدول في أمره، ولم يزل يتزايد في التهور وزحف المياه المالحة على الأراضي حتى وصلت إلى خليج الأشرفية التي يمتلئ منها صهاريج الثغر فكانوا يجسرون عليه بالأتربة والطين، فلما اعتنى الباشا بتعمير الإسكندرية وتشييد أركانها وأبراجها وتحصينها، ولم تزل بها العمارات اعتنى أيضاً بأمر الجسر وأرسل إليه المباشرين والقومة والرجال والفعلة والنجارين والبنائين والمسامير وآلات الحديد والأحجار والمؤن والأخشاب العظيمة والسهوم والبراطيم حتى تممه، وكان له مندوحة لم تكن لغيره من ملوك هذه الأزمان فلو وفقه الله لشيء من العدالة على ما فيه من العزم والرياسة والشهامة والتدبير والمطاولة لكان أعجوبة زمانه وفريد أوانه، وأما أمر المعاملة فلم يزل حالها في التزايد حتى وصل صرف الريال الفرانسة إلى تسعة قروش وهو أربعة أمثال الريال المتعارف، ولما بطل ضرب القروش من العام الماضي ضربوا بدلها أنصاف قروش وأرباعها وأثمانها وتصرف بالفرط والأنصاف العددية لا وجود لها بأديد الناس إلا ما قل جداً فإذا أراد إنسان منها دفع في إبدالها عشرة قروش عنها أربعمائة نصف فضة زيادة على المبدل إن كان ذهباً أو فرانسة أو قروشاً ووصل صرف البندقي إلى ثمانمائة نصف والمجر ثمانية عشر قرشاً والمحبوب المصري إلى أربعمائة والإسلامبولي إلى أربعمائة وثمانين كل ذلك أسماء لا مسميات لانعدام الأنصاف مع أنه يضرب منها المقادير والقناطير يأخذها التجار الشاميون والروميون بالفرط، ثم يرسلونها متاجر بدلاً عن البضائع لأن الريال في تلك البلاد صرفه ثلاثمائة نصف فقط فيكون فيه الربح ستون نصفاً في كل ريال، ولما علم الباشا ذلك جعل يرسل لوكلائه بالشام في كل شهر ألف كيس من الفضة العددية ويأتيه بدلها فرانسة فيضيف عليها ثلاثة أمثالها نحاساً ويضربها فضة عددية فيربح فيها ربحاً بدون حاء عظيماً وهكذا من هذا الباب فقط.
ومن حوادث السنة الآفاقية واقعة الإنكليز مع أهل الجزائر وهو أن لأهل الجزائر صولة واستعداداً وغزوات في البحر ويغزون مراكب الإفرنج ويغتنمون منها غنائم ويأخذون منهم أسرى وتحت أيديهم من أسارى الإنكليز وغيرهم شيء كثير ومينتهم حصينة يدور بها سور خارج في البحر كنصف الدائرة في غاية الضخامة والمتانة ذو أبراج مشحونة بالمدافع والقنابر والمرابطين والمحاربين ومراكبهم من داخله فوصل إليهم بعض مراكب الإنكليز ومعهم مرسوم من السلطان العثماني ليفتدوا أساراهم بمال فأعطوهم ما يزيد عن الألف أسير ودفعوا عن ك رأس أسير مائة وخمسين فرانساً ورجعوا من حيث أتوا وبعد مدة وصل منهم بعض سافئن إلى خارج المينا رافعين أعلام السلم والصلح فعبروا داخل المينا من غير ممانع ونزل منهم أنفار في فلوكة وبيدهم مرسوم بطلب باقي الأسرى فامتنع حاكمهم من ذلك وترددوا في المخاطبات وفي أثناء ذلك وصلت عدة مراكب من مراكبهم وشلنبات وهي المراكب الصغار لمعدة للحرب وعبروا مع مساعدة الريح إلى المينا وأثاروا الحرب والضراب بطرائقهم المستحدثة فأحرقوا مراكب أهل الجزائر مع المضاربة أيضاً من أهل المدينة مع تأخر استعدادهم وسرعة استعداد الخصم ومدافع الأبراج الداخلة لا تصيب الشلنبات الصغيرة المتسفلة وهم لا يخطؤون، ثم هم في شدة الغارة والحرب إذ قيل للحاكم بأن عساكره الأتراك تركوا المحاربة واشتغلوا بنهب البلدة وإحراق الدور فقط في يده واحتار في أمره ما بين قتال العدو الواصل أو قتال عسكره ومنعهم وكفهم عن النهب والإحراق والفساد وهذا شأنهم، فلم يسعه إلا خفض الأعلام وطلب الأمان من الإنكليز، فعند ذلك أبطلوا الحرب وكفوا عن الضراب وترددوا في الصلح على شرائطهم التي منها تسليم بواقي الأسرى واسترداد المال الذي سلموه في الفداء السابق حالاً من غير مهلة، فكان ذلك وتسلموا الأسرى وفيهم من كان صغيراً وأسلم وقرأ القرآن واتفقوا على المتاركة والمهلة زمناً مقداره ستة أشهر ورجعوا إلى بلادهم بالظفر والأسرى والأمر لله وحده، ثم أن الجزائرلية اجتهدوا في تعمير ما تهدم وتخرب من السور والأبراج والجامع في الحرب وكذلك ما أخربه عساكرهم الذين هم أعدى من الأعداء وأضر ما يكون على الإسلام وأهله وصارت الأخبار بذلك في الآفاق وأمدهم سلطان المغرب مولاي سليمان وبعث إليهم مراكب عوضاً عن الذي تلف من مراكبهم فأرسل إليهم معمرين وأدوات ولوازم عمارات، وكذلك حاكم تونس وغيرها ومن السلطان العثماني أيضاً، ولم يتفق فيما نعلم لأهل الجزائر مثل هذه الحادثة الهائلة ولا أشنع منها، وكانت هذه الواقعة غرة شهر شوال من السنة وهو يوم عيد الفطر وكان عيداً في غاية الشناعة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وأما من مات في هذه السنة ممن له ذكر مات الشيخ الفهامة والنحرير العلامة الفقيه النحوي الأصولي إبراهيم البسيوني البجيرمي الشيخ الصالح المقتصد الورع الزاهد حضر جل الأشياخ المتقدمين وهو في عداد الطبقة الأولى ودرس وأفاد وانتفع به الطلبة بل غالب الناس كان طارحاً للتكلف متقشفاً مع التواضع والانكسار ملازماً على العبادة مستحضراً للفروع الفقهية والمعقولية والمناسبات الشعرية والشواهد النحوية والأدبية جيداً لحافظة لا تمل مجالسته ومؤانسته، ولم يزل على حالته وإفادته وانجماعه وعفته حتى تمرض وتوفي يوم السبت منتصف المحرم من السنة عن نحو الخمسة وسبعين وصلي عليه بالأزهر في مشهد حافل رحمه الله تعالى وإيانا.
ومات الشيخ العلامة الأصولي الفقيه النحوي على الحصاوي الشافعي نسبة إلى بلدة بالقليوبية تسمى الحصة حضر إلى الجامع الأزهر صغير وحفظ القرآن والمتون، وحضر دروس الأشياخ كالشيخ علي العدوي المنسفيسي الشهير بالصعيدي والشيخ عبد الرحمن النحريري الشهير بالمقري ولازم الشيخ سليمان الجمل وبه تخرج وحضر على الشيخ عبد الله الشرقاوي مصطلح الحديث وكان يحفظ جمع الجوامع مع شرحه للجلال المحلي في الأصول ومختصر السعد ويقرأ الدروس ويفيد الطلبة وكان إنساناً حسناً مهذباً متواضعاً ولا يرى لنفسه مقاماً عاش معانقاً للخمول في جهد وقلة من العيش مع العفة وعدم التطلع لغيره صابراً على مناكدة زوجته وبآخره أصيب بداء الفالج انقطع بسببه أشهراً، ثم انجلى عنه يسيراً مع سلامة حواسه وعاد إلى الإقراء والإفادة، ولم يزل على حسن حاله ورضاه وانشراح صدره وعدم تضجره وشكواه للخلوقين إلى أن توفي في شهر جمادى الثانية سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف رحمه الله وإيانا.
ومات الشيخ العلامة والنحرير الفهامة السيد أحمد بن محمد بن إسماعيل من ذرية السيد محمد الدوقاطي الطهطاوي الحنفي والده رومي حضر إلى أرض مصر متقلداً القضاء بطهطا بلدة بالقرب من أسيوط بالصعيد الأدنى فتزوج بامرأة شريفة فولد له منها المترجم وأخوه السيد إسماعيل، ولم يزل مستوطناً بها إلى أن مات وترك ولديه المذكورين وأختاً لهما حضر المترجم إلى مصر سنة إحدى وثمانين ومائة وألف وكان قد بدأ نبات لحيته بعدما حفظ القرآن ببلده وقرأ شيئاً من النحو فدخل الأزهر ولازم الحضور في الفقه على الشيخ أحمد الحماقي والمقدسي والحريري والشيخ مصطفى الطائي والشيخ عبد الرحمن العريشي حضر عليه من أول كتاب الدر المختار إلى كتاب البيوع وتمم حضوره على المرحوم الوالد مع الجماعة لتوجسه الشيخ عبد الرحمن لدار السلطنة لبعض المقتضيات عن أمر علي بك في سنة ثلاث وثمانين ومائة وألف فالتمس الجماعة تكملة الكتاب على الوالد فأجابهم لذلك فكانوا يأتون للتلقي عنه في المنزل والمترجم معهم وفي أثناء ذلك قرأت مع المترجم عن الوالد متن نور الإيضاح بعد انصراف الجماعة عن الدرس ويتحلف المترجم وذلك لعلو السند فإن الوالد تلقاه عن ابن المؤلف وهو جد الوالد عن المؤلف وجد الوالد والمؤلف يسميان بحسن فهو من عجيب الاتفاق، وكان المترجم يلائم طبع الفقير في الصحبة فكنت معه في غالب الأوقات إما في الجامع أو في المنزل للطاقة طبعه وقرب سني من سنه وكان الوالد يرى ذلك ويسألني عنه إذا تخلف في بعض الأحيان ويقول أين رفيقك الصعيدي فكان يعيد معي ويفهمني ما يصعب علي فهمه، ولم يزل يدأب في الاشتغال والطلب مع جودة ذهنه وخلو باله وتفرغه والفقير بخلاف ذلك وتلقى المترجم الحديث سماعاً وإجازة عن كل من الشيخ حسن الجداوي والشيخ محمد الأمير والشيخ عبد العليم للفيومي ثلاثتهم عن الشيخ علي العدوي المنسفيسي عن الشيخ محمد عقيلة بسنده الشمهور والمترشح للإفادة والتدريس، وكان مسكنه بناحية الصليبة وجلس للإقراء بالمدرسة الشيخونية والصرغشمشية احتف به سكان تلك الناحية وأكابرهم واعتنوا بشأنه وأسكونه في دار تليق به وهادوه وواسوه وأكرموه وكانت تلك الناحية عامرة بأكابرها وانفرد المترجم عندهم لكونه على مذهبهم وأصله من جنس الأتراك وخلو تلك النواحي من أهل العلم وخصوصاً الأحناف وملازمة المترجم للحالة المحمودة من الإفادة مع شرف النفس والتباعد عما يخل بالمروءة إلا ما يأتيه عفواً فازدادت محبتهم له ووثقوا فيما يقضيه، ثم تصدى لوقف الشيخونيتين وإبرادهما واستخلاص أماكنهما وشرع في تعميرهما وساعده على ذلك كل من كان يحب الإصلاح فجدد عمارة المسجد والتكية وأنشأ بها صهريجاً وفي أثناء ذلك انتقل بأهله إلى دار مايحة بجوار المسجد بالدرب المعروف بدرب الميضاة وقفها بانيها على المسجد كل ذلك والمترجم لم ينقطع عن الحضور إلى الأزهر في كل يوم ويقرأ دروسه أيضاً بالجامع ولما كثرت جماعته انتقل إلى المدرسة العينية بالقرب من الأزهر وملا عمر محمد أفندي الودنلي الجامع المجاور لمنزله تجاه القنطرة المعروفة بعمار شاه والمكتب قرر المترجم في درس الحديث بها في كل يوم بعد العصر وقرر له عشرة من الطلبة ورتب للشيخ والطلبة معلوماً وافراً يقبض من الديوان، ولما مات الشيخ إبراهيم الحريري تعين المترجم لمشيخة الحنفية فتقلدها على امتناع منه فاستمر إلى أن أخرج السيد عمر مكرم من مصر منفياً وكتبوا في شأنه عرضحال إلى الدولة نسبوا إليه فيه أشياء لم تحصل منه وطلبوا الشهادة فيها فامتنع فشنعوا عليه وبالغوا في الحطط عليه وعزلوه من المشيخة وقلدوها الشيخ حسيناً المنصوري، فلما مات المذكور أعيد المترجم إلى مشيخة الحنفية وذلك في غرة شهر صفر سنة ألف ومائتين وثلاثين ولبس الخلع من الشيخ الشنواني شيخ الجامع، ثم من الباشا وباقي المشايخ أرباب المظاهر، ولم يختلف عليه اثنان وفي هذه السنة استأذن الفقير في بناء مقبرة يدفن فيها إذا مات بجوار الشيخ أبي جعفر الطحاوي بالقرافة لكوني ناظراً عليها فأذنت له في ذلك فبنى له قبراً بجانب مقام الأستاذ، ولما توفي دفن فيه وكانت وفاته ليلة الجمعة بعد الغروب خامس عشر شهر رجب سنة إحدى وثلاثين ومائتين وألف وله من المآثر حاشية على الدر المختار شرح تنوير الأبصار في أربع مجلدات جمع فيها المواد التي في الكتاب وضم إليها غيرها. التي في الكتاب وضم إليها غيرها.
ومات النجيب الأريب والنادرة العجب أعجوبة الزمان وبهجة الخلان حسن أفندي المعروف بالدرويش الموصلي، كما أخبر عن نفسه الذكي الألمعي والسميذع اللوذعي كان إنساناً عجيباً في نفسه مميزاً شهيراً في مصره طاف البلاد والنواحي وجال في الممالك والضواحي واطلع على عجائب المخلوقات وعرف الكثير من الألسن واللغات ويعتزى لكل قبيل ويخالط كل جيل فمرة ينتسب إلى فارس وأخرى إلى بني مكانس فكأنه المعني بما قيل طور إيمان إذا لاقيت ذا يمن وإن رأيت معدياً فعدناني هذا مع فصاحة لسان وقوة جنان والمشاركة في كل فن من الرياضيات والأدبيات حتى يظن سامعه أنه مجيد في ذلك الفن منفرد به وليس الأمر كذلك، وإنما ذلك بقوة الفهم والحفظ وما فيه من القابلية فيستغني بذلك عن التلقي من الأشياخ وأيضاً فقد انقرض أهل الفنون فيحفظ اصطلاحات الفن وأوضاع أهله ويبرزه في ألفاظ ينمقها ويحسنها ويذكر أسماء كتب مؤلفة وأشياخاً وحكماً يقل الاطلاع عليها والوصول إليها ولمعرفته باللغات خالط كل ملة حتى يظن كل أهل ملة أنه واحد منهم ويحفظ كثيراً من الشبه والمدركات العقلية والبراهين الفلسفية وأهمل الواجبات الشرعية والفرائض القطعية وربما قلد كلام الملحدين وشكوك المارقين ويزلق لسانه في بعض المجالس بغلطات من ذلك ووساوس فلذلك طعن الناس عليه في الدين وأخرجوه عن اعتقاد المسلمين وساءت فيه الظنون وكثر عليه الطاعنون وصرحوا بعد موته بما كانوا يخفونه في حياته لاتقاء شره وسطوته، وكان له تداخل عجيب في الأعيان ومع كل أهل دولة وزمان ورؤساء الكتبة والماشرين من الأقباط والمسلمين بالمعزة الزائدة واستجلاب الفائدة لا تمل مجالسته ولا معاشرته وبأخره لما رغب الباشا في إنشاء محل لمعرفة علم الحساب والهندسة والمساحة تعين المترجم رئيساً ومعلماً لمن يكون متعلماً بذلك المكتب وذلك أنه تداخل بتحيلاته لتعليم مماليك الباشا الكتابة والحساب ونحو ذلك ورتب له خروجاً وشهرية ونجب تحت يده بعض المماليك في معرفة الحسابيات ونحوها وأعجب الباشا ذلك فذاكره وحسن له بأن بفرد مكاناً للتعليم ويضم إلى مماليكه من يريد التعليم من أولاد الناس فأمر بإنشاء ذلك المكتب وحضر إليه أشياء من آلات الهندسة والمساحة والهيئة الفلكية من بلاد الإنكلز وغيرهم واستجلب من أولاد البلد ما ينيف على الثمانين شخصاً من الشبان الذين فيهم قابلية التعليم ورتبوا لكل شخص شهرية وكسوة في آخر السنة فكان يسعى في تعجيل كسوة الفقير منهم ليتجمل بها بين أقرانه ويواسي من يستحق المواساة ويشتري لهم الحمير مساعدة لطلوعهم ونزولهم إلى القلعة فيجتمعون للتعليم في كل يوم من الصباح إلى بعد الظهر وأضيف إليه آخر حضر من إسلامبول له معرفة بالحسابيات والهندسيات لتعليم من يكون أعجمياً لا يعرف العربية مساعداً للمترجم في التعليم يسمى روح الدين أفندي فاستمرا نحواً من تسعة أشهر ومات المترجم وذلك أنه اقتصد وطلع إلى القلعة فحنق على بعض المتعلمين وضربه فانحلت الرفادة فسال منه دم كثير فحم حمى مختلطة واستمر أياماً وتوفي ودفن بجامع السراج البلقيني بين السيارج وعند ذلك زاد قول الشامتين وصروحوا بما كانوا يخفونه في حياته فيقول البعض مات رئيس الملحدين وآخر يقول انهدم ركن الزندقة ونسبوا إليه أن عنده الكتاب الذي ألفه ابن الراوندي لبعض اليهود وسماه دافع القرآن وأنه كان يقرؤه ويعتقد به وأخبروا بذلك كتخدا بك فطلب كتبه وتصفحوها، فلم يجدوا بها ذلك الكتاب وما كفى مبغضه وحاسده من الشناعات حتى رأوا له منامات شنيعة تدل على أنه من أهل النار والله ألم بخلقه وبالجملة فكان غريباً في بابه وكانت وفاته يوم الخميس سابع عشر جمادى الثانية من السنة وانفرد برياسة المكتب روح الدين أفندي المذكور.
ومات الأجل المكرم الشريف غالب بسلانيك وهو المنفصل عن إمارة مكة وجدة والمدينة وما انضاف إلى ذلك من بلاد الحجاز فكانت إمارته نحواً من سبع وعشرين سنة فإنه تولى بعد موت الشريف سرور في سنة ثلاث ومائتين وألف وكان من دهاة العالم وأخباره ومناقبه تحتاج إلى مجلدين ولم يزل حتى سلك الله عليه بأفاعيله هذا الباشا، فلم يزل يخادعه حتى تمكن منه وقبض عليه وأرسله إلى بلدة سلانيك وخرج من سلطنته وسيادته إلى بلاد الغربة ونهبت أمواله وماتت أولاده وجواريه، ثم مات هو في هذه السنة.
ومات الأمير مصطفى بك دالي باشا ونسيبه أيضاً وكان من أعاظم أركان دولته شهير الذكر موصوفاً بالإقدام والشجاعة ومات بالإسكندرية، ولما وصل خبره إلى الباشا اغتم غماً شديداً وتأسف عليه، وكان الباشا ولاه كشوفية الشرقية وقرن به علي كاشف فأقام بها نحو السنتين ومهد البلاد وأخاف العربان وأذلهم وقتل منهم الكثير وجمع لمخدومه أموالاً جمة، وكان جسيماً بطيناً يأكل التيس المخصي وحده ويشرب عليه الزق من الشراب، ثم يتبعه بشالية أو اثنتين من اللبن ويستلقي نائماً مثل العجل العظيم ذي الخوار إلا أنه كان يقضي حاجة من التجأ إليه ويحب أولاد الناس ويواسيهم يتجاوز عن الكثير ويعطي ما يلزمه من الحقوق لأربابها، ولما تحققت أخته التي هي زوج الباشا وكذلك والدته أمرتا بإحضار رمته إلى مصر ويدفن بمدفنهم وتعين لذلك سليمان آغا السلحدار فسافر إلى الإسكندرية ووضعه في صندوق مزفت على عربية ووصل به بعد اثني عشر يوما ً من موته، وكان وصوله في ثاني ساعة من ليلة الجمعة سادس عشرة جمادى الثانية وذهبوا به إلى المدفن في المشاعل من خلف المجراة، فلما وصلوا إلى المدفن أرادوا إنزاله إلى القبر بالصنجوق فلم يمكنهم فكسروا الصندوق فبقت رائحته وقد تهرى فهرب كل من كان حاضراً فكبوه على حصير ولفوه فيه وأنزلوه إلى الحفرة وغشي على الفحارين وخزعت النفوس من رائحة أخشاب الصندوق فحثوا عليه الأتربة وليس من يفتكر ويعتبر.
ومات أيضاً حسن آغا حاكم بندر السويس مطعوناً فولى الباشا عوضه السيد أحمد الملا الترجمان.
ومات أيضاً سليمان آغا حاكم رشيد. ومات الأمير الكبير المشهير بإبراهيم بك المحمدي عين أعيان أمراء الألوف المصريين ومات بدنقلة متغرباً عن مصر وضواحيها وهو من مماليك محمد بك أبي الذهب تقلد الأمرة والإمارة في سنة اثنتين وثمانين ومائة وألف في أيام علي بك الكبير وتقلد مشيخة البلد ورياسة مصر بعد موت أستاذه في سنة تسع وثمانين ومائة وألف مع مشاركة خشداشه مراد بك وباقي أمرائهم والجميع راضون برياسته وإمارته لا يخالفهم ولا يخالفونه ويراعي جانب الصغير منهم قبل الكبير ويحرص على جمعية أمرهم وألفة قلوبهم فطالت أيامه وتولى قائم مقامية مصر على الوزراء نحو العشرة مرار وطلع أميراً على الحج سنة ست وثمانين، وتولى الدفتردارية في سنة سبع وثمانين وكلاهما في حياة أستاذه واشترى المماليك الكثيرة ورباهم وأعتقهم وأمر وقلد منهم صناجق وكشافاً وأسكنهم الدور الواسعة وأعطاهم الإقطاعات ومات الكثير منهم في حياته وأقام خلافهم من مماليكه ورأى أولاد أولاده بل وأولادهم وما زال يولد له وأقام في الإمارة نحو ثمان وأربعين سنة وتنعم فيها وقاسى في أواخر أمره شدائد واغتراباً عن الأهل والأوطان وكان موصوفاً بالشجاعة والفروسية وباشر عدة حوب وكان ساكن الجأش صبوراً ذا تؤدة وحلم قريباً للانقياد للحق متجنباً للهزل إلا نادراً مع الكمال والحشمة لا يحب سفك الدماء مرخصاً لخشداشينه في أفاعيلهم كثير الغافل عن مساويهم مع معارضتهم له في كثير من الأمور وخصوصاً مراد بك وأتباعه فيغضي ويتجاوز ولا يظهر غماً ولا خلافاً ولا تأثراً حرصاً على دوام الألفة وعدم المشاغبة وإن حدث فيما بينهم ما يوجب وحشة تلافاه وأصلحه وكان هذا الإهمال والترخص والتغافل سبباً لمبادئ الشرور فإنهم تمادوا في التعدي وداخلهم الغرور وغمرتهم الغفلة عن عواقب الأمور واستصغروا من عداهم وامتدت أيديهم لأخذ أموال التجار وبضائع الإفرنج الفرنساوية وغيرهم بدون الثمن مع الحقارة لهم ولغيرهم وعدم المبالاة والاكتراث بسلطانهم الذي يدعون أنهم في طاعته مع مخالفة أوامره ومنع خزينته واحتقار الولاة ومنعهم من التصرف والحجر عليهم فلا يصل للمولى عليهم إلا بعض صدقاتهم إلى أن تحرك عليهم حسن باشا الجزائرلي في سنة مائتين وألف وحضر على الصورة التي حضر فيها وساعدته الرعية وخرجوا من المدينة إلى الصعيد وانتهكت حرمتهم، ثم رجعوا بعد الفصل في سنة ست ومائتين إلى إمارتهم ودولتهم وعادوا إلى حالتهم الأولى بل وأزيد منها في التعدي فأوجب ذلك ركوب الفرنساوية عليهم، ولم يزل الحال يتزايد والأهوال يتلو بعضها بعضاً حتى انقلبت أوضاع الديار المصرية وزالت حرمتها بالكلية وأدى الحال بالمترجم إلى الخروج والتشتيت والتشريد هو ومن بقي من عشيرته إلى بلاد العبيد يزرعون الدخن ويتقوتون منه وملابسهم القمصان التي يلبسها الجلابة في بلادهم إلى أن وردت الأخبار بموته في شهر ربيع الأول من السنة وأما جملة أخباره فقد تقدمت في ضمن السوابق والماجريات واللواحق.
ومات الأمير الأجل أحمد آغا الخازندار المعروف ببونابارته وهو أيضاً شهير الذكر من أعاظم الدولة، وقد تقدم كثير من أخباره وسفره إلى الحجاز وكان عمر داراً عظيمة على بركة الأزبكية جهة الرويعي، ثم عمل مهماً كبيراً لزواج ابنه وهو إذ ذاك مريض في حياض الموت حتى أشيع في الناس يوم زفة العروس، ثم مات بعد أيام قليلة مضت على الفرح وذلك يوم الأربعاء ثالث شهر جمادى الثانية.
وماتت الست الجليلة خاتون وهي سرية علي بك بلوط قبان الكبير وكانت محظيته وبنى لها الدار العظيمة على بركة الأزبكية بدرب عبد الحق والساقية والطاحون بجانبها ولما مات علي بك وتأمر مراد بك فتزوج بها وعمرت طويلاً مع العز والسيادة والكلمة النافذة وأكثر نساء الأمراء من جواريها ولم يأت بعد الست شويكار من اشتهر ذكره وخبره سواها، وكان أيام الفرنساوية واصطلح معهم مراد بك حصل لها منهم غاية الكرم ورتبوا لها من ديوانهم في كل شهر مائة ألف نصف فضة وشفاعتها عندهم مقبولة لا ترد بالجملة فإنها كانت من الخيرات ولها على الفقراء بر وإحسان ولما من المآثر الخان الجديد والصهريج داخل باب زويلة توفيت يوم الخميس لعشرين من شهر جمادى الأولى بمنزلها المذكور بدرب عبد الحقودفنت بحوشهم في القرافة الصغرى بجوار الإمام الشافعي وأضيفت الدار إلى الدولة وسكنها بعض أكابرها وسبحان الحي الذي لا يموت.
ومات المقر الكريم المخدوم أحمد باشا الشهير بطوسون ابن حضرة الوزير محمد علي باشا مالك الأقاليم المصرية والحجازية والثغور وما أضيف إليها، وقد تقدم ذكر رجوعه من البلاد الحجازية وتوجهه إلى الإسكندرية ورجوعه إلى مصر، ثم عوده إلى ناحية رشيد وعرضى خيامه جهة الحماد بالعسكر على الصورة المذكورة وهو ينتقل من العرضي إلى رشيد، ثم إلى برنبال وأبي منضور والعزب، ولما رجع في هذه المرة أخذ صحبته من مصر الغنين وأرباب الآلات المطربة بالعود والقانون والناي والكمنجات وهم إبراهيم الوراق والحباني وقشوة ومن يصحبهم من باقي رفقائهم فذهب ببعض خواصه إلى رشيد ومعه الجماعة المذكورون فأقام أياماً وحضر إليه من جهة الروم جوار وغلمان أيضاً رقاصون فانتقل بهم إلى قصر برنبال ففي ليلة حلوله بها نزل به ما نزل من المقدور فتمرض بالطاعون وتململ نحو عشر ساعات وانقضى نحبه وذلك ليلة الأحد سابع شهر القعدة وحضر خليل أفندي قوللي حاكم رشيد وعندما خرجت روحه انتفخ جسمه وتغير لونه إلى الزرقة فغسلوه وكفنوه ووضعوه في صندوق من الخشب ووصلوا به في السفينة منتصف ليلة الأربعاء عاشره، وكان والده بالجيزة، فلم يتجاسروا على إخباره فذهب إليه أحمد آغا أخو كتخدا بك، فلما علم بوصوله ليلاً استنكر حضوره في ذلك الوقت فأخبره عنه أنه ورد إلى شبرا متوعكاً فركب في الحين القنجة وانحدر إلى شبرا وطلع إلى القصر وصار يمر بالمخادع ويقول أين هو، فلم يتجاسر أحد أن يصرح بموته وكانوا ذهبوا به وهو في السفينة إلى بولاق ورسوا به عند الترسخانة وأقبل كتخدا بك على الباشا فرآه يبكي فانزعج انزعاجاً شديداً وكاد أن يقع على الأرض ونزل السفينة فأتى بولاق آخر الليل وانطلقت الرسل لإخبار الأعيان فركبوا بأجمعهم إلى بولاق، وحضر القاضي والأشياخ والسيد المحروقي، ثم نصبوا تظلك ساتراً على السفينة وأخرجوا الناووس والدم والصديد يقطر منه وطلبوا القلافطة لسد خروقه ومنافسه ونصبوا عوداً عند رأسه ووضعوا عليه تاج الوزارة المسمى بالطلخان وانجروا بالجنازة من غير ترتيب والجميع مشاة أمامه وخلفه وليس فيها من جوقات الجنائز المعتادة كالفقهاء وأولاد الكتاتيب والأحزاب شيء من ساحل بولاق على طريق المدابغ وباب الخرق على الدرب الأحمر على التبانة إلى الرميلة فصلوا عليه بمصلى المؤمنين وذهبوا به إلى المدفن الذي أعده الباشا لنفسه ولموتاه كل هذه المسافة ووالده خلفه ينظر إليه ويبكي ومع الجنازة أربعة من الحمير تحمل القروش وربعيات الذهب ودراهم أنصاف عددية ينثرون صبها على الأرض وعلى الكيمان وعن يمين الكتخدا ويساره شخصان يتناول منهما قراطيس الفضة يفرق على من يعترض له من الفقراء والصبيان فإذا تكاثروا عليه نثر ما بقي في يده عليهم فيشتغلون عنه بالتقاطها من الأرض، فكان جملة ما فرق وبدر من الأنصاف العددية فقط خمسة وعشرين كيساً عنها خمسمائة ألف فضة وذلك خلاف القروش وساقوا أما الجنازة ستة رؤوس من الجواميس الكبار أخذ منها خدمة التربة ومن حولهم وخدمة ضريح الإمام الشافعي، ولم ينل الفقراء إلا ما فضل عنهم وأخرجوا لإسقاط صلاة المتوفي خمسة وأربعين كيساً تناولها فقراء الأزهر وفرقت بجامع الفاكهاني بحسب الأغراض للغني منهم أضعاف قسم الفقير وأكثر الفقراء من الفقهاء، لم ينالوا ولا القليل، ولما وصلوا إلى المدفن هدموا التربة وأنزلوه فيها بتابوته الخشب لتعسر إخراجه منه بسبب انتفاخه وتهربه حتى أنهم كانوا يطلقون حول تابوته البخورات في المجامر الذهب والرائحة غالبة على ذلك وليس، ثم من يتعظ أو يعتبر، ولما مات لم يخبروا والدته بموته إلا بعد دفنه فجزعت عليه جزعاً شديداً ولبست السواد، وكذلك جميع نسائهم وأتباعهم وصبغوا براقعهم بالسواد والزرقة، وكذلك من ينافقهم من الناس حتى لطخوا أبواب البيوت ببولاق وغيرها بالوحل وامتنع الناس بالأمر عليهم من عمل الأفراح ودق الطبول مطلقاً ونوبة الباشا وإسمعيل باشا وطاهر باشا حتى ما يفعله دراويش المولوية في تكاياهم عند المقابلة من الناي والطبل أربعين يوماً وأقاموا عليه العزاء عند القبر وعدة من الفقهاء والمقرئين يتناوبون قراءة القرآن مدة الأربعين يوماً ورتبوا لهم ذبائح ومآكل وكل ما يحتاجونه، ثم ترادفت عليهم العطايا من والدته وأخواته والواردين من أقاربه وغيرهم على حد قول القائل مصائب قوم عنج قوم فوائد ومات وهو مقتبل الشبيبة لم يبلغ العشرين، وكان أبيض جسيماً كما قد دارت لحيته بطلاً شجاعاً جواجاً له ميل لأولاد العرب منقاداً لملة الإسلام ويعترض على أبيه في أفعاله تخافه العسكر وتهابه ومن اقترف ذنباً صغيراً قتله مع إحسانه وعطاياه للمنقاد منهم ولأمرائه ولغالب الناس إليه ميل وكانوا يرجون تأمره بعد أبيه ويأبى الله إلا ما يريد. القائل مصائب قوم عنج قوم فوائد ومات وهو مقتبل الشبيبة لم يبلغ العشرين، وكان أبيض جسيماً كما قد دارت لحيته بطلاً شجاعاً جواجاً له ميل لأولاد العرب منقاداً لملة الإسلام ويعترض على أبيه في أفعاله تخافه العسكر وتهابه ومن اقترف ذنباً صغيراً قتله مع إحسانه وعطاياه للمنقاد منهم ولأمرائه ولغالب الناس إليه ميل وكانوا يرجون تأمره بعد أبيه ويأبى الله إلا ما يريد.
ومات الوزير المعظم يوسف باشا المنفصل عن إمارة الشام وحضر إلى مصر من نحو ثلاث سنوات هارباً وملتجئاً إلى حاكم مصر وذلك في أواخر سنة سبع وعشرين ومائتين وألف وأصله من الأكراد الدكرلية وينسب إلى الأكراد الملية وابتداء أمره بإخبار من يعرفه أنه هرب من أهله وعمره إذا ذاك خمس عشرة سنة فوصل إلى حماة وتعاطى بيع الحشيش والسرجين والروث، ثم خدم عند رجل يسمى ملا حسين مدة سنين إلى أن ألبسه قلبق ثم خدم بعده ملا إسماعيل بلكتاش وتعلم الفروسية والرماحة فلعب يوماً في القمار وخسر فيه وخاف على نفسه فخرج هارباً إلى عمر آغا باسيلي من إشراقات إبراهيم باشا المعروف بالأزدن فتوجه معه إلى غزة، وكان مع المترجم جواد أشقر من جياد الخيل فقلد علي آغا متسلم غزة عمر آغا المذكور وجعله دالي باشا، ففي بعض الأيام طلب المتسلم من المترجم الجواد فقال له إن قلدتني دالي باشا قدمته لك فأجابه إلى ذلك وعزل عمر آغا وقلد المترجم المنصب عوضاً عنه وامتنع من إعطائه ذلك الجواد وأقام في خدمته فوصل مرسوم من أحمد باشا الجزار خطاباً للمترجم بالقبض على المتسلم وإحضاره إلى طرفه وإن فعل ذلك ينعم عليه بمبلغ خمسين كيساً ومائة بيرق ففعل ذلك وأوقع القبض على علي آغا المتسلم وتوجع إلى عكا بلدة الجزار فقال المتسلم للمترجم في أثناء الطريق تعلم أن الجزار رجل سفاك دماء فلا توصلني إليه وإن كان وعدك بمال أنا أعطيك أضعافه وأطلقني أذهب حيث شاء الله ولا تشاركه في دمي، فلم يجبه إلى ذلك وأوصله إلى الجزار فحبسه، ثم قتله ورماه في البحر وأقام المترجم بباب الجزار أياماً، ثم أرسل إليه يأمره بالذهاب إلى حيث يريد فإنه لا خير فيه لخيانته لمخدومه فذهب إلى حماة وأقام عند آغاته إسماعيل آغا وهو متول من طرف عبد الله باشا المعروف بابن العظم فأقام في خدمته كلارجي زمناً نحو الثلاث سنوات وكان بين عبد الله باشا وأحمد باشا الجزار عداوة فتوجه عبد الله باشا إلى الدورة فأرسل الجزار عساكره ليقطع عليه الطريق فسلك طريقاً أخرى، فلما وصل إلى جنيني وهي مدينة قريبة من بلاد الجزار وجه الجزار عساكره عليه، فلما تقارب العسكران وتسامعت أهل النواحي امتنعوا من دفع الأموال فما وسع عبد الله باشا إلا الرحيل وتوجه إلى ناحية نابلس مسافة يومين وحاصر بلدة تسمى صوفين وأخذ مدافع من يافا وأقام محاصراً لها ستة أيام، ثم طلبوا الأمان فأمنهم ورحل عنهم إلى طرف الجبل مسيرة نصف ساعة وفرق عساكره لقبض أموال الميري من البلاد وأقام هو في قلة من العسكر فوصل إليه خيال وقت العصر في يوم من الأيام يخبره بوصل عساكر الجزار وأنه لك يكن بينه وبينهم إلا نصف ساعة وهم خمسة آلاف مقاتل فارتبك في أمره وأرسل إلى النواحي فحضر إليه من حضروهم نحو الثلاثمائة خيال وهو بدائرته نحو الثمانين فأمر بالركوب، فلما تقربا هاله كثرة عساكر العدو وأيقنوا الهلاك فتقدم المترجم إلى العسكر وأشار عليه وبالثبات وقال لهم لم يكن غير ذلك فإننا إن فررنا هلكنا عن آخرنا وتقدم المترجم مع آغاته ملا إسماعيل وتبعهم العسكر وولجوا أوسط خيل العدو وصدقوا الحملة جملة واحدة فحصلت في العدو الهزيمة وركبوا أقفيتهم وتبعهم المترجم حتى حال الليل بينهم فرجعوا برؤوس القتلى والقلائع، فلما أصبح النهار عرضوها على الوزير وهي نحو الألف رأس وألف قليعة فخلع عليهم وشكرهم وارتحلوا إلى دمشق وذهب المترجم مع آغاته إلى مدينة حماة واستمر هناك إلى أن حضر الوزير الأعظم يوسف باشا المعروف بالمعدن إلى دمشق بسبب الفرنساوية ففارق المترجم مخدومه في نحو السبعين خيالاً وجعل يدور بأراضي حماة بطالاً ويقال له قيس فيراسل الجزار لينضم إليه، وكان الجزار عند حضور الوزير انفصل حكمه عن دمشق ووجه ولايتها إلى عبد الله باشا العظم، فلما بلغ المترجم ذلك توجه إلى لقاء عبد الله باشا بالمعرة فأكرمه عبد الله باشا وقلده دالي باشا كبيراً على جميع الخيالة حتى على آغاته ملا إسماعيل وأقام بدمشق مدة إلى أن حاصر عبد الله باشا مدينة طرابلس فوصل إليه الخبر بأن عساكر الجزار استولوا على دمشق وبلادها فركب عبد الله باشا، وذهب إلى دمشق ودخلها بالسيف ونصب عرضيه خارجها فوصل خبر ذلك إلى الجزار فكاتب عساكر عبد الله باشا يستميلهم لأن معظمهم غرباء فاتفقوا على خيانته والقبض عليه وتسليمه إلى الجزار، وعلم ذلك وثبته فركب في بعض مماليكه وخاصته إلى وطاق المترجم وهو إذ ذاك دالي باشا وأعلمه الخبر وأنه يريد النجاة بنفسه فركب بمن معه وأخرجه من بين العسكر قهراً عنهم وأوصله إلى شول بغداد، ثم ذهب على الهجن إلى بغداد ورجع المترجم إلى حماة فقبل وصوله إليها ورد عليه مرسوم الجزار يستدعيه فذهب إليه فجعله مقدم ألف وقلده باش الجردة فسافر إلى الحجاز بالملاقاة، وكان أمير الحاج الشامي إذ ذاك سليمان باشا عوضاً عن مخدومه أحمد باشا الجزار، فلما حصلوا في نصف الطريق وصلهم خبر موت الجزار فرجع يوسف المترجم إلى الشام واستولى إسماعيل باشا على عكا وتوجه منصب ولاية الشام إلى إبراهيم باشا المعروف بقطر آغاسي أي آغات البغال وفي فرمان ولايته الأمر بقطع رأس إسماعيل باشا وضبط مال الجزار فذهب المترجم بخيله وأتباعه إلى إبراهيم باشا وخدم عنده وركب إلى عكا وحصروها وحظا في أرض الكرداني مسيرة ساعة من عكا وكانت الحرب بينهم سجالاً وعساكر إسماعيل باشا نحو العشرة آلاف والمترجم يباشر الوقائع وكل وقعة يظهر فيها على الخصم ففي يوم من الأيام لم يشعروا إلا وعسكر إسماعيل باشا نافذ إليهم من طريق أخرى فركب المترجم وأخذ صحبته ثلاثة مدافع وتلاقى معهم وقاتلهم وهزمهم إلى أن حصرهم بقرية تسمى دعوق، ثم أخرجهم بالأمان إلى وطاقه وأكرمهم وعمل لهم ضيافة ثلاثة أيام، ثم أرسلهم إلى عكا بغير أمر الوزير، ثم توجه إبراهيم باشا إلى الدورة وصحبته المترجم وتركوا سليمان باشا مكانهم وخرج إسماعيل باشا من عكا وأغلقت أبوابها فاتفقت عساكره وقبضوا عليه وسلموه إلى إبراهيم باشا، فعند ذلك برز أمر إبراهيم باشا بتسليم عكا إلى سليمان باشا وذهب بالمرسوم المترجم فأدخله إليها ورجع إلى مخدومه وذهب معه إلى الدورة، ثم عاد معه إلى الشام وورد الأمر بعزل إبراهيم باشا عن الشام وولاية عبد الله باشا المعروف بالعظم على يد باشت بغداد فخرج المترجم لملاقاته من على حلب فقلده دالي باشا على جميع العسكر، فلما وصل إلى الشام ولاه على حوران وإربد والقنيطرة ليقبض أموالها فأقام نحو السنة، ثم توجه صحبة الباشا مع الحج وتلاقوا مع الوهابية في الجديدة فحاربهم المترجم وهزمهم وحجوا واعتمروا ورجعوا ومكثوا إلى السنة الثانية، فخرج عبد الله باشا بالحج وأبقى المترجم نائباً عنه بالشام، فلما وصل إلى المدينة المنورة منعه الوهابيون ورجع من غير حج ووصل خبر ذلك إلى الدولة فورد الأمر بعزل عبد الله باشا عن ولاية الشام وولاية المترجم على الشام وضواحيها فارتاعت النواحي والعربان وأقام السنة، ولم يخرج بنفسه إلى الحج بل أرسل ملا حسن عوضاً عنه فمنع أيضاً عن الحج، فلما كانت القابلة انفتح عليه أمر الدورة وعصى عليه بعض البلاد فخرج إليها وحاصر بلدة تسمى كردانية، ووقع له فيها مشقة كبيرة إلى أن ملكها بالسيف وقتل أهلها، ثم توجه إلى جبل نابلس وقهرهم وجبى منهم أموالاً عظيمة، ثم رجع إلى الشام واستقام أمره وحسنت سيرته وسلك طريق العدل في الأحكام وأقام الشريعة والسنة وأبطل البدع والمنكرات واستتاب الخواطيء وزوجهن وطفق يفرق الصدقات على الفقراء وأهل العلم والغرباء وابن السبيل وأمر بترك الإسراف في المآكل والملابس وشاع خبر عدله في النواحي ولكن ثقل ذلك على أهل البلاد بترك مألوفهم ثم إنه ركب إلى بلاد النصيرية وقاتلهم وانتصر عليهم وسبى نساءهم وأولادهم وكان خيرهم بين الدخول في الإسلام أو الخروج من بلادهم فامتنعوا وحاربوا وانخذلوا وبيعت نساؤهم وأولادهم، فلما شاهدوا ذلك أظهروا الإسلام تقية فعفا عنهم وعمل بظاهر الحديث وتركهم ورحل عنهم إلى طرابلس وحاصرها بسبب عصيان أميرها بربر باشا على الوزير وأقام محاصراً لها عشرة أشهر حتى ملكها واستولى على قلعتها ونهبت منها أموال التجار وغيرهم ثم ارتحل إلى دمشق وأقام بها مدة فطرقه خبر الوهابية أنهم حضروا إلى المزيريب فبادر مسرعاً وخرج إلى لقائهم فلما وصل إلى المزيريب وجدهم قد ارتحلوا من غير قتال فأقام هناك أياماً فوصل إليه الخبر بأن سليمان باشا وصل إلى الشام وملكها فعاد مسرعاً إلى الشام وتلاقى مع عسكر سليمان باشا وتحارب العسكران إلى المساء وبات كل منهم في محله ففي نصف الليل في غفلتهم والمترجم نائم وعسكره أيضاً هامدة فلم يشعروا إلا وعساكر سليمان باشا كبستهم فحضر إليه كتخداه وأيقظه من منامه وقال له إن لم تسرع وإلا قبضوا عليك فقام في الحين وخرج هارباً وصحبته ثلاثة أشخاص من مماليكه فقط ونهبت أمواله وأرزاقه وزالت عنه سيادته في ساعة واحدة ولم يزل حتى وصل إلى حماه فلم يتمكن من الدخول إليها ومنعه أهلها عنها وطردوه فذهب إلى سيجر وارتحل منها إلى بلدة يعمل بها البارود ومنها إلى بلدة تسمى ريمة ونزل عند سعيد آغا فأقام عنده ثلاثة أيام ثم توجه إلى نواحي أنطاكية بصحبته جماعة من عند سعيد آغا المذكور ثم إلى السويدة ولم يبق معه سوى فرس واحد ثم أنه أرسل إلى محمد علي باشا صاحب مصر واستأذنه في الحضور إلى مصر فكاتبه بالحضور إليه والترحيب به فوصل إلى مصر في التاريخ المذكور فلاقاه صاحب مصر وأكرمه وقدم إليه خيولاً وقماشاً ومالاً وأنزله بدار واسعة بالأزبكية ورتب له خروجاً زائدة من لحم وخبز وسمن وأرز وحطب وجميع اللوازم المحتاج إليها وأنعم عليه بجوار وغير ذلك وأقام بمصر هذه المدة وأرسل في شأنه الدولة وقبلت شفاعة محمد علي باشا فيه ووصله العفو والرضا ما عدا ولاية الشام وحصلت فيه علة ذات الصدر فكن يظهر به شبه السلعة مع الفواق بصوت يسمعه من يكون بعيداً عنه ويذهب إليه جماعة الحكماء من الإفرنج وغيرهم ويطالع من كتب الطب مع بعض الطلبة من المجاورين فلم ينجع غيه علاج وانتقل إلى قصر الآثار بقصد تبديل الهواء ولم يزل مقيماً هناك حتى اشتد به المرض ومات في ليلة السبت العشرين من شهر ذي القعدة وحملت جنزته من الآثار إلى القرافة من ناحية الخلاء ودفن بالحوش الذي أنشأه الباشا وأعده لموتاه وكانت مدة إقامته بمصر نحو ستة سنوات فسبحان الحي الذي لا يموت الدائم الملك السلطان. كبستهم فحضر إليه كتخداه وأيقظه من منامه وقال له إن لم تسرع وإلا قبضوا عليك فقام في الحين وخرج هارباً وصحبته ثلاثة أشخاص من مماليكه فقط ونهبت أمواله وأرزاقه وزالت عنه سيادته في ساعة واحدة ولم يزل حتى وصل إلى حماه فلم يتمكن من الدخول إليها ومنعه أهلها عنها وطردوه فذهب إلى سيجر وارتحل منها إلى بلدة يعمل بها البارود ومنها إلى بلدة تسمى ريمة ونزل عند سعيد آغا فأقام عنده ثلاثة أيام ثم توجه إلى نواحي أنطاكية بصحبته جماعة من عند سعيد آغا المذكور ثم إلى السويدة ولم يبق معه سوى فرس واحد ثم أنه أرسل إلى محمد علي باشا صاحب مصر واستأذنه في الحضور إلى مصر فكاتبه بالحضور إليه والترحيب به فوصل إلى مصر في التاريخ المذكور فلاقاه صاحب مصر وأكرمه وقدم إليه خيولاً وقماشاً ومالاً وأنزله بدار واسعة بالأزبكية ورتب له خروجاً زائدة من لحم وخبز وسمن وأرز وحطب وجميع اللوازم المحتاج إليها وأنعم عليه بجوار وغير ذلك وأقام بمصر هذه المدة وأرسل في شأنه الدولة وقبلت شفاعة محمد علي باشا فيه ووصله العفو والرضا ما عدا ولاية الشام وحصلت فيه علة ذات الصدر فكن يظهر به شبه السلعة مع الفواق بصوت يسمعه من يكون بعيداً عنه ويذهب إليه جماعة الحكماء من الإفرنج وغيرهم ويطالع من كتب الطب مع بعض الطلبة من المجاورين فلم ينجع غيه علاج وانتقل إلى قصر الآثار بقصد تبديل الهواء ولم يزل مقيماً هناك حتى اشتد به المرض ومات في ليلة السبت العشرين من شهر ذي القعدة وحملت جنزته من الآثار إلى القرافة من ناحية الخلاء ودفن بالحوش الذي أنشأه الباشا وأعده لموتاه وكانت مدة إقامته بمصر نحو ستة سنوات فسبحان الحي الذي لا يموت الدائم الملك السلطان.